تلمذة مع المسيح
مفيبوشث 0000000000 N90rrh8femc2


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

تلمذة مع المسيح
مفيبوشث 0000000000 N90rrh8femc2
تلمذة مع المسيح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مواضيع مماثلة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» قداس ابونا بيشوي علي قناة c t v
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 07, 2012 11:55 pm من طرف naderegyptair

» ترنيمة يا يسوع تعبان
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالخميس مارس 15, 2012 8:56 am من طرف زهرة المسيح

» هااااااااااااااااااام جدااااااااااااااااااااااااااااا
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالجمعة مارس 09, 2012 7:17 pm من طرف البابا كيرلس

» جسد القديس العظيم ماسربل
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالجمعة مارس 09, 2012 7:12 pm من طرف البابا كيرلس

» يسوع باعت رساله لاولاده النهارده
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالجمعة مارس 09, 2012 6:59 pm من طرف البابا كيرلس

» ارجو الصلاه من اجل البابا
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالجمعة مارس 09, 2012 6:50 pm من طرف البابا كيرلس

» لماذا اختار المسيح ان يموت مصلوبا
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالجمعة مارس 09, 2012 6:41 pm من طرف البابا كيرلس

» هل يوجد حلال وحرام فى المسيحية
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالأربعاء مارس 07, 2012 8:06 pm من طرف البابا كيرلس

» عارفة يعني إيه إحنا أصحاب ؟
مفيبوشث 0000000000 I_icon_minitimeالسبت فبراير 25, 2012 8:51 pm من طرف Admin


مفيبوشث 0000000000

اذهب الى الأسفل

مفيبوشث 0000000000 Empty مفيبوشث 0000000000

مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 07, 2011 12:58 am


مقدمة
كان مفيبوشث بن يوناثان واحداً من أعظم المظلومين في الأرض، كأبيه سواء بسواء،.. وإذا كانت الحياة قد ظلمت يوناثان، وهي تجبره على البقاء إلى جوار أبيه حتى سقط صريعاً على جبال جلبوع،.. فقد ظلمت الحياة ابنه مفيبوشث، عندما فقد أباه العظيم النبيل، وهو في الخامسة من عمره، فلم يعش ليتربى في كنفه، ويستمتع بحنانه، ويتشبع بمبادئه، بل على العكس سقط يوم موت أبيه، وأضحى مضروب الرجلين، إذ حملته مربيته وهربت، ولما كانت مسرعة لتهرب وقع وصار كسيحا يعرج، وانتهى سليل الملوك إلى أن يعيش فيما يشبه الملجأ، يعاني الفاقة والحاجة والحرمان، قبل أن يفتقده داود، وعرف مفيبوشث الجوع، قبل أن يأكل على مائدة الملك،.. ومن المؤسف أيضاً أنه لم يظلم من الظروف القاسية التي أحاطت به فحسب، بل ظلم من أقرب الناس إليه، وألصقهم! إذ ظلمه صيباً عبده، بما افترى به عليه أمام الملك ومن المؤسف أن الملك -في عجلة من الأمر- صدق صيبا، وتشكك في مفيبوشث ونجحت وشاية الظلم، ليقف الرجل مشوة السيرة، كما شوهت خلقته سواء بسواء،.. على أن الظلم الأفدح والأقسى، كان ظلم التاريخ، إذ صدق بعض المفسرين حجة صيباً، وانهالوا على البائس المسكين يصورونه تماماً عكس ما هو عليه، ويدفعونه بأقسى النعوت وأشر الأوصاف، ولكننا نعلم أن الله العادل في السماء، هو وحده الذي سيرد الاعتبار الكامل، لهذا المظلوم الذي تلاحق عليه الظلم من كل جانب، وقد جرد كثيرون من المفسرين أقلامهم دفاعاً عن الرجل، وكانوا على حق، إذ أن عصير محنته وآلامه، فاض بما يندر أن تجود الحياة بين الناس على ظهر هذه الأرض، والآن دعنا نراه فيما يلي:
مفيبوشث المنكوب
لسنا نحسب أنفسنا من مدرسة أوريجانوس، المدرسة التي اشتهرت بالرمزية، والتي تتابع القصص والأمثال محاولة استخلاص المعاني الروحية، التي تتصور أن القصة أو المثل يعنيها ويتجه إليها، وإن كان في الوقت نفسه لا نستبعد الصور الروحية التي يمكن أن يعطيها كلاهما، ومن هنا يمكن أن نقول ونحن في أمن الزلل، إن قصة مفيبوشث تصلح أن تكون صورة لحياة المؤمن أمام الله. ولعلنا من هذا المنطلق يمكن أن نرى مفيبوشث المنكوب من نواحي متعددة!!... فهو أولاً منكوب المركز، إذ أنه كان حفيد الملك شاول، وابن يوناثان العظيم ولي العهد،.. ولكنه يظهر أمامنا علي المسرح وقد ذهب مجده القديم، وعزه الدارس،.. ولعل هذه هي الصورة الواضحة للإنسان في الأرض، لقد خلقه الله على شبهه وصورته، إذ خلقه علي صورة الملك العظيم، وابناً له، ولكنه وقد هوى من مجده وجلاله، وسافر في رحلته البائسة إلى الكورة البعيدة، لم يعد له حتى مركز الخادم أو الأجير، وشتان بين ما كان عليه، وما صار إليه، عندما يرفض الإنسان الله يسقط من مركزه العظيم وعندما يعود إليه، يسترد بهذه العودة مركزه التليد: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله، وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" وأين الكوخ من القصر! وأين الهوان من المجد! وأين التشريد من السلطان، وأين الصعلوك من حفيد القصور وسليل الأمجاد؟!!.. وهكذا كان مفيبوشث منكوباً في عزه ومركزه!!.. ثم كان ثانياً: منكوب الصحة، إذ أخذته العلة والعاهة المستديمة،.. العاهة التي لم تعطه عجزاً فحسب، بل أعطته أيضاً أكثر من ذلك، البشاعة والتشويه،.. ولعله هذا ما تفعله الخطية على الدوام، إذ تضع حداً لنشاط الإنسان وحيويته، وتقعده عن الحياة والقوة و الحركة، وتجعله مرات متعددة يعيش كمفيبوشث سجين جسده، تحضره الإرادة الحسنة، ولكنه يقول: "هوذا الإرادة حاضرة عندي أما أن أفعل الحسنى فلست أجد".. وتتكاتف عليه الأمراض وتتحالف الأوبئة، وهو لا يملك لها دفعاً أو تصاحبه الحياة كلها ليرى نفسه عاجزاً عن السير في ركاب الملك، كما تخلف الرجل القديم عن مصاحبة سيده، في أدق الأوقات وأشدها حاجة إلى مثل هذه المصاحبة!!.. لقد فقد الإنسان بالسقوط، الطاقة الجسدية الهائلة التي امتصتها الأمراض، وهدتها الأدواء، وضيعتها العلل المتلاحقة، على أن الأمر يتجاوز هذا كله، إلى البشاعة والتشويه، وأين الشاب القوي، الرائع المظهر، الموفور الصحة، من ذاك الذي هو قعيد كسيح محمول على غيره من الناس؟ حقاً إن الخطية أعدى أعداء الجمال، وهي السبب الأساسي في ذلك التشويه الرهيب الذي لاحق الجنس البشري وأفسد صورته وجماله الإلهيين، وأخرة هذا النتاج العفن الفاسد، من كل دمامة وبشاعة وقبح،.. وكان مفيبوشث ثالثاً: منكوب بالثروة، دارت به دورة الزمان، كما تدور بملايين الناس، فإذا صاحب القصور يأويه رجل بنياميني اسمه ماكير بن عميئيل من مدينة لودبار -أو في لغة أخرى- لقد انتقل الغلام من القصر إلى الملجأ،.. لم يعد مفيبوشث يملك شيئاً من أملاك أبيه وجده،.. لقد ذهبت الأسرة، لتحل محلها أسرة أخرى، وذهبت الثروة لتخلف وراءها الحاجة والجوع، وهكذا تدور الأيام كالساقية، ترفع المنخفض، وتخفض المرتفع، وتسوي القصور بالتراب، وترفع الجالس على المزبلة إلى شرفاء الشعوب وسادة الممالك، ولست أعلم ماذا يقال عن الثروة في اللغات الأخرى من لغات العالم،.. ولكن هناك رابطة تصلح أن تكون استعارة في اللغة العربية لمن يحسن التأمل فيها، فإذا كان بعضهم قد اشتكى من حاكم عربي قائلاً: ما رأي مالا إلا ومال عليه، وما رأى ذهباً إلى وذهب به، وما رأى فضة إلا وفضها. فإننا نكتفي بالإشارة إلى الاسم والفعل بين "مال" و "مال" وبين "ذهب" و"ذهب" وبين "فضة" و "فض" لنرى الثروة قد تنتهي من الإنسان إلى غير رجعة، أو تتحول لآخر من غير كد أو تعب،... وقد جردت الخطية الإنسان من ثروته الحقيقية، لتتركه في الإملاق والحاجة النفسية والروحية، لا يكاد يملك حتى الخرنوب" في الحياة، الذي تجده أو تأكله الخنازير... وفي الواقع إن الإنسان الوحيد الفقير في الأرض، هو الذي لم تعد تربطه رابطة بالله، على العكس من ذاك الذي يستطيع بكل يقين أن يقول: "كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء"... وقد أضيف إلى هذا كله، أن مفيبوشث كان منكوب الصداقة البشرية، وسندع الآن ما فعله صيبا معه أو الحكم المتعجل لداود تجاهه، لنراه يعيش مجهولاً من الناس، لا يكاد يحس به أحد، إلى الدرجة التي يقول معها داود: "هل يوجد بعد أحد قد بقى من بيت شاول فأصنع معه معروفاً من أجل يوناثان"؟... وهذه حال الدنيا على الدوام، فهي تقبل على من يقبل عليه الناس، لما قد يجدون عنده من مصلحة أو منفعة أو ميسرة، وهي تدبر عنه إذا افتقر أو أحتاج أو أنعزل. وما من شك أن أصدقاء الابن الضال كانوا كثيرين في مطلع أمره عندما كان المال يخشخش في جيبه، وعندما كان ينفقه بتبذير عليهم في حفلات المجون والفساد والسكر العربدة، فإذا ضاع المال وافتقر الحال، فما أسرع ما يتباعدون أو يهربون أن يتنكرون، وسيجدون شتى الأعذار للابتعاد والهروب والتنكر،.. ولكن العذر الحقيقي أن الخطية لا تعرف الود أو الصداقة أو الحب، إذ هي تعرف على الدوام المصلحة ولا شيء غير المصلحة، ولعل أول مثل على ذلك عرفه البشر كان في أبوينا الأولين، لقد جمعهما الله لا ليصبحا اثنين، بل واحداً، وقبل أن تدخل الخطية كانا واحداً في كل شيء، وكان آدم مستعداً في حبه العميق لحواء أن يبذل ذات الحياة من أجلها،.. لكن أسرع ما تنكر لهذه الحقيقة عن نفسه أمام الله، ليفقد الرجولة الكاملة والشهامة، ويحملها المسئولية وحدها، أو بالاشتراك مع الله في القول: "المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت"..! إن الخطية في الواقع هي السبب الأساسي الصحيح لفقدان الوفاء بين الناس!!...
على أنه من الجانب الآخر، كان للمنكوب من يسأل عنه، ولم يفكر هذا المنكوب قط أن يتجه إلى داود، وقد علم بالعلاقة التي كانت تربطه بأبيه وكان يمكن أن يعيش في الظل والظلام، لولا أن داود سأل عنه، (وهذه هي الحقيقة بالنسبة للخاطيء على الأرض، فهو لم يسأل عن الله بل سأل الله عنه، وهو لم يفكر في الاتجاه إلى الله، بل أن الله فكر فيه وسعى إليه).. كان من الممكن لمفيبوشث أن يعيش في الظل أو الظلام، ولا يخرج أبداً إلى دائرة النور لولا بحث داود عنه والتفتيش عليه،.. وأنه يعكس الصورة التي رسمها يسوع المسيح، في مثل الحمل الضائع على الجبال، وكان من المؤكد أن يضيع أو يفترس، لولا الراعي الذي بحث عنه تاركاً التسعة والتسعين، أو مثل الدينار المفقود الذي بحثت عنه المرأة وفتشت إلى الدرجة التي كنست معها البيت بكل اجتهاد!!... إنها صورة بقاء مفيبوشث في بيت ماكير حتى طلبه داود من هناك،.. والسر في ذلك ليس في المنكوب ذاته، بل في العهد مع الشفيع، من أجل يوناثان،.. وداود لا ينسى أن يوناثان قد قدم كل شيء من أجله، والله في حبه للخاطيء، أنه يحبه في المسيح الذي قدم نفسه من أجله وهو في السماء حي ليشفع فيه، آه لو علم الناس، أن داود لا ينظر إلى مفيبوشث الكسيح المعقد المشوه الضعيف، بل كلما رآه ازداد عطفاً عليه، لأنه يرى شخصاً آخر يتمثل طول حياته أمام عينيه، شخص يوناثان الحبيب العزيز الذي ارتبط معه بعهد أبدي!!... وستبقى هذه الشفاعة في قوتها وجلالها ومجدها، مهما وشى بالرجل، أو تعرض للخداع أو الظلم، أو حتى لو أخطأ. وسيرى داود يوناثان قبل أن يعد أية رؤية أو تصرف من ابنه المقعد الكسيح،.. وهذا ما يفعله الله في السماء أمام كل أخطائنا وخطايانا، خطايا السهو، والتعمد على حد سواء!!.. إنه سيرانا على الدوام في شخص المسيح مخلصنا وفادينا وشفيعنا الحي الكريم!!.. والمنكوب سيجد رد الاعتبار الكامل، إذ سترد إليه قصور شاول وأملاكه وخيراته الضائعة، وسينتقل الغلام من الملجأ الذي عاش في كنفه إلى القصر الواسع الرحب الذي ينتظره، وسيسترد الميراث المفقود، كما يأخذ الخاطيء شركة ميراث القديسين في النور،.. والمنكوب سيجد الترحيب الحار القوي في ضمه إلى الخاصة الملكية ليأكل كل يوم على مائدة الملك، دون أن يناله الخجل من قبح منظره، وضربة رجليه!!... ولست أعلم ما فعل داود بالنسبة له، لكني أعلم بكل وضوح ما فعل الآب عندما عاد إليه ابنه الضال ليجد الحلة الأولى مكان ثياب الجوع والفقر والقذارة، والخاتم في اليد التي حرمت من لقمة الحياة، والحذاء في القدمين اللتين عرفتا التعب والحفاء!!.. والدفء والرقص والعود ترحيباً بمن كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوجد!!... هل تعلم أننا جميعاً -أنا وأنت- كنا مفيبوشث حتى رتب لنا الملك مائدة تجاه مضايقتنا!!..
مفيبوشث المخدوع
من الغريب أن الذين قبلوا ادعاء صيبا ضد مفيبوشث، بنوا فكرهم على أساس تلون الطبيعة البشرية وتغيرها وتحولها من النقيض إلى النقيض، وفقاً للأحداث والحوادث والظروف المختلفة المتعددة، وهذا حق، غير أنهم أخطأوا إذ حولوا أصبع الاتهام لمفيبشث، وكانت بالأولى يلزم أن تتحول إلى صيبا عبده وخادمه،.. فالدراسة الصحيحة للقصة تؤكد أنه هو المذنب الصحيح وليس سيده،.. والسؤال الذي لابد منه: لماذا فعل صيبا هكذا، وخدع سيده، وغدر به عند داود؟!!.. أغلب الظن أن هناك ثلاثة أسباب دفعته لذلك، هي الحسد، والطمع، والملل،.. أما الحسد فواضح من أنه يرى سيده المقعد الكسيح أثيراً عند داود، ومقدماً على مائدته،.. وهو هو لا يزيد عن كونه عبداً وخادماً، وقد يسهل عليه أن يحتمل ذلك، لو أن مفيبوشث كان ملكاً على عرش، أو أميراً من أسرة مالكة،.. أما وقد ذهب العرش، وولى الملك، ولم يبق من الرجل سوى الإنسان الكسيح، فلماذا يبقى مفيبوشث أولاً، وهو في أفضل الأحوال عبداً وثانياً؟!!.. ولماذا وقد تهاوى عرش شاول لا يتغير الوضع بالنسبة له، فيصبح الصحيح أولاً، والمقعد ثانياً؟!!. إنه الحسد الذي يقلب العاطفة البشرية رأساً على عقب وينشيء الكراهية مكان الحب، والقسوة محل الإحسان، والمؤامرة والعنف والحرب والتدمير، في موضع الإخلاص والرقة والسلام والبناء، وهو الذي دفع قايين إلى قتل هابيل، ودفع أخوه يوسف إلى بيع أخيهم،.. وصنع أكبر جريمة في كل التاريخ، جريمة صلب المسيح، إذ علم بيلاطس أنهم -أي اليهود- أسلموه حسداً،.. ومن المتصور أن الطمع قد أضيف إلى ذلك،.. لقد رد داود كل أملاك شاول إلى حفيده مفيبوشث، وأمر صيبا أن يقوم مع أولاده وعبيده بخدمة هذه الأملاك لصالح سيده،.. ولعل صيبا سأل نفسه هذا السؤال مرات متعددة، هأنذا أخدم سيداً كسيحاً، كل هذه الخدمة، وهو لا يعمل شيئاً إلا أن يستولى على ما أبذل من جهد وعرق وكفاح: إن لسيدي الغنم، ولي ولأولادي وخدمي التعب والشقاء والكد والغرم،.. وأعتقد صيبا بأنه أحق بالكل من السيد البائس الضعيف المسكين،.. والطمع في حد ذاته صنم مخيف، قال عنه الرسول بولس: "الطمع الذي هو عبادة الأوثان".. وركع صيبا أمام هذا الصنم المروع المخيف وهو في سبيله التعس إلى الغدر بسيده،.. وربما كان السبب الثالث عند صيبا الملل،.. وأليست خدمة الكسيح المقعد، تحتاج إلى الصبر، الذي إذا طال أمده يتحول إلى التبرم والتضجر والملل، ولعل صيبا وهو يدخل ويخرج من أمام سيده الكسيح، وهو يتعب ويجاهد في حمله كلما رغب في الحركة أو الذهاب هنا وهناك، لعله بعد سنوات من الخدمة الطويلة المتواصلة الشاقة، قد ضاق بهذه الخدمة، ومل الاستمرار فيها، وتمنى لو تحلل منها بصورة من الصور، وجاءته هذه الصورة عندما وشى كذباً بسيده أمام الملك داود!!..
والغدر في حد ذاته إثم من أقسى الآثام وأبشعها في حياة الناس، إلا أنه يزداد بشاعة وخسة وضعة وانحطاطاً، إذا استغل آلام الآخرين أو حاجتهم، أو ضعفهم أو عجزهم، كما فعل صيبا بالسيد المضروب الرجلين، والعاجز عن اللحاق بداود والسير وراءه غداة خروجه من أورشليم من وجه أبشالوم ابنه، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، إذ قدم صيبا للملك الهارب، ما قدم من خير وغذاء ومعونة وطعام، ولكنه للأسف لم يكن يقدم مما يملك هو، بل مما يملك سيده المغدور به على هذا النحو البشع الممتد من الخيانة والغدر!!..
أجل.. إذا كان لنا أن ندرس النفس البشرية، ومدى ما يمكن أن تصل إليه من التغير أو التلون، أو الخسة أو الضعف، أو اللؤم أو التآمر، فإن هذه الدراسة ينبغي أن تنصب على صيبا، ولا تتحول ظلماً إلى الرجل النبيل الذي بقى في أورشليم: "ولم يعتن برجليه، ولا اعتنى بلحيته، ولا غسل ثيابه من اليوم الذي ذهب فيه الملك إلى اليوم الذي أتى فيه بسلام". أجل، ولعل هذا هو السر الذي جعل لوثر يفزع من نفسه وهو يقول: "أنا خائف من نفسي أكثر من البابا وكل كرادلته معاً،.. إن نفسي هي البابا الأكبر!!.. وجعل الرسول يعقوب يقول: "ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته، ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً"...
مفيبوشث المدان
على أن أسوأ ما في الأمر أن يدان مفيبوشث من داود على هذا النحو الظالم المتعجل، كان الرجل قد استكان إلى الحياة التي رد فيها داود اعتباره ومقامه ومكانه، فلم يعد إنساناً يحيا حياة البؤس والتشرد والذل، ولعله رفع عينيه إلى الله شاكراً كلما دخل قصر الملك، وكلما أكل على مائدته، وكلما وجد الأوضاع هادئة هانئة ميسورة، ولكن ها هي الشمس المشرقة تعود إلى المغيب مرة أخرى، وها هو يعود إلى النقطة التي ابتدأ منها، أو بالحري إلى الأسوأ بما لا يقاس، إذ لطخ عبده سمعته بهذه اللطخة الشديدة القاسية، وأوشى به إلى الملك بأقسى تهمة يمكن أن يتعرض لها إنسان تهمة الخيانة العظمى،.. ولست أعلم ما فعل الرجل، وهويترنح من الطعنة القاسية الغادرة التي طعنه بها عبده الآثم،.. هل بكى مفيبوشث المغلوب على أمره، وهل رفع عينيه إلى الله يبحث من سر اللطمات المتلاحقة المتعددة، التي واكبت حياته منذ الخامسة من عمره، وهو يخرج من ظلم إلى ظلم، ومن مأساة إلى مأساة، وهل قال: "غمر ينادي غمراً عند صوت ميازيبك كل تياراتك ولججك طمت على"؟!!.. لا أعلم، وإن كنت أعلم أن هذه صرخة الملايين في الأرض، الذين لا يكادون يخرجون من محنة، إلا ليواجهوا محنة أخرى، قد تكون أقسى وأنكى وأشد"!!.. أغلب الظن أن مفيبوشث بكى، وأغلب الظن أنه مع ذلك، فعل أفضل ما يمكن أن يفعله الباكون في مثل وضعه، إذ ليس عندهم أكثر مما يفعله البائس التعس المسكين، الذي يسلم أمره إلى الله الذي يقضي بعدل، وهو الوالي الواحد القادر على حماية المقعد العاجز الكسيح المظلوم،.. إن الظلم في العادة يقود الإنسان إلى واحد من اتجاهين مختلفين متضادين، أما أن يرفعه إلى فوق أو يتجه به إلى أسفل، إذ هو أشبه الكل بذلك السجن الذي أطل من النفاذة فيه سجينان، رفع أحدهم عينيه إلى السماء فرأى النجوم اللامعة، ونظر الآخر إلى الأرض فرأى الوحل والطين هناك،... إن الظلم قد يحول الإنسان بالتمام إلى الله، عندما يطرح المظلوم قضيته وبؤسه بين يديه، أو يتجه به إلى التذمر أو اللعن، أو الحقد أو الانتقام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وقد علمنا المظلوم الأعظم أي الطريقين أصلح أو أكمل إذ قيل عنه: "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه.. على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش".. "لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو الله يحتمل أحزاناً متألماً بالظلم.. فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته، الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر، الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل"...
كان ظلم مفيبوشث في الواقع بينا وصارخاً، ويبدو أن قلب صيبا عبده قلب من حجر، فهو يرمي سيده بتهمة الخيانة العظمى، ليقتل وتصادر أمواله وممتلكاته، ونحن نتعجب أشد التعجب، إذ أن داود لم يتمهل حتى تنتهي الثورة، ويعود إلى أورشليم، ويجمع بين صيبا ومفيبوشث، ويسمع حجة الطرفين، ويقضي بالتأمل والهدوء والعمق والأناة، بل على الفور يقضي ويحكم، فيكافيء الظلم، ويحرم المظلوم، ويجرد مفيبوشث من أملاكه ليعطيها لصيبا، ومن المعلوم أن داود كان في ذلك الوقت في حال لا يصلح معها أن يكون قاضياً أو حاكماً،.. لقد كانت نفسه ممتلئة بأقسى الانفعالات وأشدها وأمرها على وجه الإطلاق، وانعكست هذه الانفعالات جميعاً على حكمه الظالم الطائش، لقد خرج من مدينة أورشليم باكياً مغطى الرأس، حافي القدمين، ممتلئاً بالمرارة الكاملة من ابنه والخارجين عليه،.. وهل يصلح الإنسان في مثل هذه الحالة أن يقضي ويحكم؟.. وهل له من العقل أو القلب ما يزن به الأمور ويفحصها ويدقق في وقائعها؟.. كلا وألف كلا،.. والدليل واضح بين، فالتهمة لأقل فكر وفحص قاسية وكاذبة، لا يستطيع معها أي حكيم أن يستسيغها ويهضمها، لقد صور صيبا لداود أن مفيبوشث سيبقى في أورشليم لأن الثورة ستتمخض عن رجوع الملك إليه، بعد أن استولى عليه داود، وأي عقل يمكن أن يقبل مثل هذا التصور، فمفيبوشث المقعد لم يكن طرفا في هذه الثورة، ولم يكن واحد يقف إلى جواره، وحتى صيبا عبده قد خذله وتركه،.. وستنتهي الثورة إما بنجاح داود أو أبشالوم ابنه، وإذا قدر لأبشالوم أن ينجح، فهو لن يعود إلى أورشليم، ليقدم له الملك على طبق من ذهب، ويأتمر بأمره، ويخضع لطرف إشارته وبنانه، بل هو أعلم الناس بأن الرجل الذي غدر بأبيه، وتآمر على عرشه، ليحل محله، لن يعطيه قط الامتيازات السخية التي كان يتمتع بها على مائدة الملك،.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن أخلاق الرجل لم تكن تسمح له قط أن يتمرد على من أحسن إليه ورفعه إلى مثل ما وصل إليه من مركز ومجد، وأنه لهذا السبب: "لم يعتن برجليه، ولا اعتنى بلحيته ولا غسل ثيابه من اليوم الذي ذهب فيه الملك إلى اليوم الذي أتى فيه بسلام" وكان في الواقع ابن أبيه في الإخلاص والمحبة والتجرد والوفاء، وهو يقول لداود: "يا سيدي الملك إن عبدي قد خدعني لأن عبدك قال أشد لنفسي الحمار فأركب عليه وأذهب مع الملك لأن عبدك أعرج ووشى بعبدك إلى سيدي الملك وسيدي الملك كملاك الله فافعل ما يحسن في عينيك لأن كل بيت أبي لم يكن إلا أناس موتى لسيدي الملك وقد جعلت عبدك بين الآكلين على مائدتك فأي حق لي بعد حتى أصرخ أيضاً إلى الملك".. لم يكن مفيبوشث خائناً، بل بلغ غاية النبل عندما عدل داود حكمه، فلم يجرده من جميع أملاكه، بل قسمها بالنصف بينه وبين صيبا وإذا به يقول: "فليأخذ الكل- أي صيبا- بعد أن جاء سيدي الملك بسلام إلى بيته".. أجل وهنا يطل من وراء مفيبوشث وجه آخر، وجه أبيه النبيل العظيم، إذ أثبت مفيبوشث أنه ابن أبيه المتجرد من كل أنانية، والمخلص في حياته في أقسى الظروف إلى النفس الأخير!!...
لم يخطيء داود في حكمه الأول المتعجل فحسب "بل أخطأ في حكمه الثاني أيضاً، لقد ذكرنا أن التهمة في أساسها كانت قاسية وكاذبة وساذجة لا يكاد يقبلها عقل أو يهضمها تفكير،.. وقد أضيفت إليها شهادة المنظر البائس للرجل المظلوم، والذي كان يمكن أن يرى فيه داود صدق مفيبوشث وكذب صيبا، فلماذا قضى داود بحكمه المعدل؟!! يظن البعض أن داود بقى على شكه في رواية مفيبوشث، وأنه من باب الإحسان قسم الأملاك بينه وبين عبده؟!! وقد جانب داود في ذلك جادة الصواب، لأنه إذا كان قد أخذ بالظاهر في رواية صيبا، بما حمل معه من عطايا وهدايا وهو هارب من أورشليم،.. فإنه كان من الممكن أن يأخذ أيضاً بالظاهر بمنظر مفيبوشث، في عودته مرة أخرى بعد انتهاء الثورة إلى أورشليم،.. وإذا كان عليه أن يطرح هذا الظاهرة من الأمر، فمن الواجب أن يطرحه في كلا الحالين، دون أن يرجح ظاهراً على ظاهر آخر،.. والظواهر في العادة لا تصلح أن تكون حجة نهائية، وقد علمنا الله نفسه ألا نخدع بالظاهر، إلى الدرجة أنه رفض -وهو العالم بكل شيء- أن يقضي نهائياً على سدوم: "وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جداً، أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخهما الآتي إليَّ وإلا فأعلم".. وقال المسيح لليهود: "لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكماً عادلاً".. على أن هناك آخرين اعتقدوا أن داود صدق مفيبوشث، وأنه أعطى صيبا النصف من باب الإحسان أيضاً، إذ لم ينس أنه قدم له في محنته المساعدة والمعونة والعطية، وأنه أب لعدد كبير من الأولاد، وأنه يقوم على خدمة سيده منذ زمن طويل، -وإنه لهذا كله- يمكن أن يشارك سيده بالنصف في حصيلة ثروته وممتلكاته،.. وهذا في حد ذاته خطأ فاحش، لأنه إذا كانت رواية العبد كاذبة غادرة قاسية تعرض الرجل النبيل إلى خطر الموت القاسي البشع، فلا يجمل به أن يكافيء هذا الخطأ، إلى حد المناصفة بينه وبين الصدق والحق والعدل والأمانة، فإذا أضيف إلى هذا ما تصوره البعض أن داود وهو خارج من الثورة، كانت خطته تهدئة الجميع، وحقن الدماء، إلى درجة التساهل والتسامح من شمعي بن جيرا، الذي كان يستوجب القصاص العادل، رغم أن داود لم ينس له ما فعل إلى يوم الوفاة وهو بهذا المعنى يريد اكتساب صيبا وأسرته وعبيده بترضيته بالمساواة مع سيده في كل شيء.. ولو صح هذا التصور، فإن داود يكون قد فعل ما يفعله السياسيون في كل الأجيال والعصور، الذين -مرات كثيرة- يذبحون العدالة والحق، على حساب المسايرة والمهادنة وأنصاف الحلول؟!!..
وأياً كانت الأسباب، فإن وجه مفيبوشث يختفي، لتظهر معه حقيقة من أرهب وأقسى الحقائق على هذه الأرض!!.. إن العدالة بجملتها ضائعة أو ناقصة في حياة الناس، وإن الكثير من أحاكمها شوب بالقصور أو النقص أو الاعوجاج أو الخطأ،.. وأن مفيبوشث في كل جيل وعصر سيبقى مظلوماً، حتى يقف أمام عرش أعظم وأطهر وأنقى وأعدل من عرش داود، ألا وهو العرش العظيم الأبيض،.. وأن ما عجز العرش الأرضي عن الوصول إليه، لن يعجز عنه عرش السماء، وأن ملايين الملايين الذين ظلموا في الأرض، وأقعدهم العجز والشلل والكساح وضربة الرجلين عن الوصول إلى حقهم، ورد اعتبارهم، لن تعجز السماء عن أن تعطيهم من رد الاعتبار أضعافاً مضاعفة مما فقدوه بخيانة البشر أو ظلم الناس. قال واحد من الشهداء الذين حكم عليهم ظلماً وعدواناً من أجل المسيح في سويسرا، لجلاده، وهو يصعد إلى المقصلة: إذن مني، وضع يدك على قلبي، فإن رأيت نبضه أسرع من النبض العادي، فإن ديانتي يمكن أن تكون باطلة... قال الرجل هذا لأنه واثق بأن حكم الأرض، ليس الحكم الأبدي الأخير،.. ومن ثم حق لكاتب الرسالة إلى العبرانيين: "ولكن تذكروا الأيام السالفة التي فيها بعد ما أنرتم صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة من جهة مشهورين بتعييرات وضيقات ومن جهة صائرين شركاء الذين تصرف فيهم هكذا لأنكم رثيتم لقيودي وقبلتم سلب أموالكم بفرح عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً أفضل في السموات وباقياً فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة".. "وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبس رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزي معتازين مكروبين مذلين وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم، تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض"...
لقد ذهب مفيبوشث بن يوناثان مظلوماً من الحياة والصحة والظروف والناس، ولاحقته عدالة داود القاسية والناقصة، إلى أن يجد في ذلك اليوم العتيد عدالة ابن داود، أو بالحري عدالة ابن الله الملك العظيم، ليعطي ما فاته من حق أو ما ضاع منه من مكافأة، فليرقد إلى أن يستيقظ مع الأبرار والشهداء والقديسين: "لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل منا ما صنع خيراً كان أم شراً"..!!

Admin
Admin
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 216
تاريخ التسجيل : 08/07/2010
العمر : 32

https://class2010.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى